تعزيز الذكاء العاطفي عند الأطفال في خمس خطوات

تعزيز الذكاء العاطفي عند الأطفال في خمس خطوات

الكاتب: محمد العربي بوميدونة، باحث في علم النفس التربوي واللسانيات التطبيقية

لعلّ من أبرز الصفات التي تساعد في تربية طفلٍ لديه شخصية سوية هو الذكاء العاطفي. يقول دانيال غولمان، الأب الروحي للذكاء العاطفي: "الذكاء العاطفي هو قدرة الفرد على فهم مشاعره ومشاعر الآخرين، وإدارتها بمهارة، لتحقيق تواصل فعّال وتفاعل اجتماعي إيجابي". بعبارات بسيطة، الطفل الذكي عاطفياً هو من يتعامل مع مشاعره جيّداً في حياته بحيث تؤثر إيجابياً على مسارها.

ولكن، لا يمكن للطفل أن يصل إلى درجة جيدة من الذكاء العاطفي دون مساعدتك له أيّها الأب/ أيّتها الأم. إليكم خمس خطوات تساعدكم في تعزيز هذه الصفة عند طفلكم:

التعبير، التعبير، التعبير!

تعويد الطفل على التعبير عن مشاعره بصفة منتظمة مهمٌّ جدّاً. حاول دائماً كأب/أم أن تتعوّد على طرح أسئلة على طفلك كل يوم في اللقاءات العائلية مثل الغداء أو العشاء، مثال: "كيف كان شعورك اليوم؟" "هل واجهت اليوم شيئاً أفرحك/ أحزنك/ أغضبك؟" هكذا ستتّسع مدارك طفلك الشعورية وسيتعلّم التعبير عن مشاعره بمفردات صحيحة. حينما تستمع له، أبداً لا تقل له إن مشاعره صحيحة أم خاطئة، ولا تستصغرها؛ فما يبدو لك تافهاً قد يكون في نظر طفل في الثامنة من عمره غولاً ضخماً. حاول دائماً أن توجّه طاقة فرحه أو حزنه بأسئلة تحتمل إجابة نعم/لا حتى تقوده إلى أصحّ الأفكار الممكنة، ولا تدع المشاعر السلبية تشكل له أفكاره حول وعيه بذاته (self-awareness) وبمحيطه.

حاول إشراك طفلك في اتخاذ القرارات:

قد يبدو هذا مثالياً بعض الشيء لدى البعض، لأننا كبالغين ندرك مخاطر قرارات الأطفال غير الصائبة. لذا كأب حاول أن تعطي ابنك خيارين أو ثلاثة في أمر ما يخصه (على أن تكون كل الخيارات مقبولة بالنسبة لك) ثم دعه يختَر وتقبّل اختياره. هنا سيحسّ الطفل بشخصيته على أنها مستقلة وحاضرة بقوة، وسيفيده هذا في الحياة اليومية وفي المستقبل. حِسّ الاستقلالية (autonomy) مهمّ للغاية، إذ إنّ بذرته تبدأ منذ الطفولة لتنتج لنا في المستقبل فرداً مستقلاً ومفيداً في المجتمع.

علّم طفلك الاعتذار وتصحيح الأخطاء:

نرى كثيراً من الأولياء يستشيطون غضباً حين يفسد أطفالهم شيئاً أو يقولون كلاماً غير مؤدّب أو يخطئون في حقّ الآخرين، فيكتفون بالاعتذار نيابةً عنهم أو إصلاح ما أفسدوه. عوض أن تستخدم طاقتك للصراخ أو العقاب السلبي، استخدم المعاقبة الإيجابية (positive punishment) ووجّه تفكير طفلك نحو إصلاح خطئه بأسئلة تحتمل إجابة نعم/لا أو خيارين فقط، مثلاً:

"هل ما قلته شيء مؤدّب؟" "هل ما فعلته لأخيك صحيح أم خاطئ؟" "هل نعتذر عندما نسيء الأدب؟" مع هذه الأسئلة قدّم له ما يحتاجه لإصلاح ما أفسده بنفسه. هكذا يتعلّم المسؤولية وأن عليه الاعتذار وإصلاح أخطائه عوض أن تعاقبه سلبياً وتُصحّح له أخطاءه.

طوّر قدرة التعاطف لدى طفلك باستخدام الخيال:

عند قراءة أيّة قصة لطفلك أو تشغيل مقطع يحتوي على قصة، اسأل طفلك عن مشاعر الشخصيات ودَعه يتخيّل شعورهم. اطلب منه أن يتخيل كيف سيساعدهم لو استطاع ذلك. مثل هذه الحوارات ترسّخ في ذهن الطفل فكرة التعاطف مع الآخرين (empathy)، وتؤثّر في شخصيته، كما لها تأثير فيما بعد عند بلوغه.

الفضول محمود:

لو لاحظتم، في الخطوات السابقة التي ذكرناها دائماً تتكرّر أداة الاستفهام "هل". كل الأطفال فضوليون، لكن بعضهم يحتفظون بالأسئلة في أعماق مخيّلاتهم. شجّع طفلك على طرح الأسئلة أوّلاً بطرحك أنت للأسئلة كما ذكرنا في الأمثلة السابقة، وثانياً: شجّع كلّ سؤالٍ وامدحه: "سؤال ذكي/مهم/جديد..." إلخ. يمكنك أيضاً أن تتحدث مع الآخرين عن سؤاله، مثلاً مع والدته/والده/أشقائه:"مصطفى طرح سؤالاً جيداً، هل تعرفين إجابته؟" هنا نعزّز روح الفضول عند الطفل ونؤكّد له أن صوته مسموع. هكذا سيتعلّم ألّا يأخذ كلّ شيءٍ جزافاً دون طرح أسئلة أو محاولة فهم.

خاتمة:

كل الخطوات المذكورة أعلاه هي على سبيل المثال لا الحصر. إن الذكاء العاطفي لدى الأطفال ليس ترفًا تربويًا، بل هو ضرورة حتمية لتنشئة جيل سوي ومتزن على المستويين العاطفي والنفسي، التعبير، والاستقلالية، ومواجهة الأخطاء، والتعاطف، والفضول كلها ينابيع تصب في بحر الذكاء العاطفي لدى أطفالنا. تذكّر، عزيزي الأب/عزيزتي الأم، أن التنشئة السوية تُبنى على جزئيات بسيطة قد لا نُلقي لها بالًا، حجمها صغير وأثرها كبير. إنها جزئيات الذكاء العاطفي.

المراجع:

1. Paavola, L. (2017). The importance of emotional intelligence in early childhood. [Bachelor's Thesis, Lahti University of Applied Sciences]. Theseus. Retrieved from https://www.theseus.fi/handle/...

2. [Academia.edu]. (2020). Parents’ emotional intelligence and their children’s mental health: A systematic review. Retrieved from https://www.academia.edu/46928...

3. [Academia.edu]. (2015). Emotional intelligence: Review of research and educational implications. Retrieved from https://www.academia.edu/16510...

4. Bouchard, C. M., & Khoury, R. (2023). Developing emotional intelligence in children through dialogic reading. Early Childhood Education Journal. Retrieved from https://link.springer.com/arti...

5. [Academia.edu]. (2020). Developing children's emotional intelligence. Retrieved from https://www.academia.edu/42050...

6. Nelson, C. (2016). Emotional intelligence and academic achievement in primary schools [Doctoral dissertation, University of South Wales]. Retrieved from https://pure.southwales.ac.uk/...

7. Humphrey, N. (2016). Teaching emotional intelligence in schools: An evidence-based approach. In R. J. Emmerling, V. K. Shanwal, & M. K. Mandal (Eds.), Emotional intelligence: Theoretical and cultural perspectives (pp. 187–200). Springer. Retrieved from https://link.springer.com/chap...

8. Khanlou, N., & Tougas, H. (2024). Exploring emotional intelligence in children using the Trait Emotional Intelligence Questionnaire. BMC Psychology, 12(1). Retrieved from https://bmcpsychology.biomedce...

مع تحيات فريق عمل GHT ..